عندما يتم الحديث عن الأمم المتحدة فإن الصورة التي تتبادر إلى ذهن العديد من الناس هي تلك المتعلقة باجتماعات مجلس الأمن والمناقشات المحتدمة بين أعضائه لحل المشاكل الدولية المستعصية؛ مثل مسألة انتشار أسلحة الدمار الشامل أو فض النزاعات المسلحة التي تهدد الاستقرار والسلم العالمي· لكن إذا ما أزحت الستار قليلا فإنك ستكتشف العديد من الأمور الأخرى التي تقوم بها الأمم المتحدة وتنعكس نتائجها مباشرة على أرض الواقع· ومن ذلك أن الأمم المتحدة تشرف على مجموعة من البرامج التي غالبا ما ندير لها ظهورنا إما عن جهل، أو عدم اكتراث رغم أنها تؤثر في حياة الكثير من الناس بطرق متعددة وعملية· وفي هذا الإطار تسهر البرامج التابعة للأمم المتحدة على تحسين الظروف الصحية والتعليم، بالإضافة إلى الرفع من مستوى معيشة الناس عبر العالم عن طريق التعاون والتنسيق مع الحكومات والقطاع الخاص·
وعلى امتداد العقود الأخيرة بدأت الأمم المتحدة تقر بالأهمية القصوى التي تكتسيها الرياضة في تعزيز التقدم والسلم العالمي عبر الحد من النزاعات بين الدول والتخفيف من حدة التوترات التي تتنازع المجتمعات المختلفة· واستنادا إلى هذا الدور الذي تلعبه الرياضة لجأت الأمم المتحدة إلى الاستعانة بنجومها وأبطالها ذوي الشعبية الواسعة عبر العالم كي تنظم حملات للتوعية بأخطار مرض الإيدز في الأوساط الفقيرة· وسعيا منها للفت الانتباه إلى الدور الحيوي للرياضة في دعم الأجندة الأممية أعلنت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بالإجماع، سنة 2005 سنة عالمية للرياضة والتربية البدنية· ولم يأت اهتمام المجتمع الدولي بالرياضة من فراغ، بل جاء نتيجة القناعة الراسخة لدى المسؤولين بالإمكانات الكبيرة التي توفرها الرياضة وما تستطيع أن تقوم به في مجال التغيير الاجتماعي وإتاحة فرص جديدة أمام النساء والفتيات·
وعلى سبيل المثال أطلقت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة بالتعاون مع القطاع الخاص مشروعا رائدا أسمته ''معاً من أجل تحسين ظروف الفتيات''، وهو يرمي إلى تشجيع الفتيات على المشاركة في الأنشطة الرياضية كأحد الطرق الفعالة لتحفيزهن على الحضور إلى المدرسة وعدم الهروب من أقسام الدرس· وقد جاءت النتيجة باهرة حيث ارتفع معدل المسجلات في الأقسام الأولى إلى 88%، كما ارتفعت نسبة الفتيات اللواتي شاركن في الأنشطة الرياضية إلى 75%· ونظرا للنجاح اللافت الذي لاقته المبادرة قررت المفوضية إبرازه للآخرين من خلال عقد قمة دولية في أطلنطا بالولايات المتحدة الأميركية خلال الفترة من 20 إلى 22 من الشهر الجاري تحت شعار ''تحقيق التغيير الاجتماعي عبر دعم القيادة النسائية في الرياضة''· وفي الواقع كلما شاركت النساء في الأنشطة الرياضية ولعبن أدوارا ريادية، كلما ساهمن في كسر الصور النمطية المنحازة ضد المرأة، واجتزن المعوقات التي تكبح انطلاق المرأة إلى عوالم رحبة من الخلق والإبداع· وحتى نتأكد من الدور الكبير الذي يضطلع به قادة الرياضة في دعم مجتمعهم سواء في مضمار التنافس أو خارجه ما علينا إلا أن ننظر إلى الأمثلة التالية:
-قامت مولي باركر، وهي عداءة عالمية من الطراز الرفيع فازت أربع مرات في منافسة ''أيرونمان'' التي تنظم في هاواي، بتأسيس وإدارة مؤسسة أطلقت عليها ''فتيات على المضمار'' تسعى من خلالها إلى تشجيع الفتيات الصغيرات على تطوير احترام الذات لديهن، وتعليمهن أسلوب حياة صحيا وسليما من خلال ممارسة الرياضة· ويتم التواصل مع هؤلاء الفتيات عبر زيارات يقوم بها متطوعون إلى بعض المدارس في الولايات المتحدة وكندا، حيث يتم إطلاعهن على التجارب الناجحة في المدارس الأخرى وطريقة الاقتداء بها·
-تعتبر سمو الأميرة هيا بنت الحسين إحدى الشخصيات الرياضية التي تلهم العديد من النساء عبر العالم، حيث مثلت بلدها في رياضة الفروسية وهي لم تتجاوز سن الثالثة عشرة، لتصبح أول امرأة عربية تفوز ببطولة عربية في الفروسية· والآن تركز الأميرة هيا اهتمامها على المشاركة في تقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين، خصوصا في مجالات الصحة والتربية والرياضة·
- وبنفس الطريقة تقوم ماري هارفي بالإشراف على مجموعة من البرامج الأممية بعدما كانت لاعبة متميزة ضمن الفريق الأميركي النسائي وفازت مع فريقها بكأس العالم لكرة القدم النسائية عام ،1991 كما أحرزت مع فريقها الميدالية الذهبية في الألعاب الأولمبية المنظمة بأطلنطا ·1996 وتقوم حاليا بالتعاون مع ''اليونيسيف'' و''الفيفا'' بتنظيم مباريات كروية يخصص ريعها لجهود محاربة الفقر والتشرد، ودعم الأهداف الإنمائية للأمم المتحدة·
ومن نافلة القول إن مثل هذه المبادرات التي يقوم بها الأفراد تشجع الحكومات والمنظمات الدولية على إدراج الرياضة كإحدى الوسائل الأساسية في خطط التغيير الاجتماعي وتوعية الناس في البلدان الفقيرة بضرورة التعليم من أجل تحقيق التنمية المستدامة· وخلال القمة التي ستعقد في مدينة أطلنطا الأميركية سيأخذ الكلمة عدد من هؤلاء النساء اللواتي تمي